قول الله سبحانه وتعالى:( أولم يروا أنّا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها.. ) [سورة
الرعد]
يحمل عبارة (ننقصها) من أطرافها الكثير من الحقائق العلمية:فإلى جانب
حقيقة النقص الموجود عند القطبين تصبح الأرض ناقصة التكوير، فإنه توجد أمور
أخرى لإنقاصها حتى يكون ذلك مطابقاً لكلمة ( أطرافها )، ولا يكون النقص
قاصراً
على (الطرفين) ومن المعلوم أنه في الشكل الكروي يكون سطح الكرة كله
بمثابة
الأطراف، وعليه فإن سطح الكرة الأرضية هو ( أطرافها )، أما النواقص
فهي كثيرة
وتتمثل في إزالة أجزاء من مرتفعات سطح الأرض بفعل عوامل التعرية
والنحت
والعوامل الهوائية والمائية الأخرى، وبفعل النشاط التشويهي، وهبوط
بعض الشواطئ
أو غمرها بالماء، وما ينطلق من الأرض من الأجسام والمواد إلى
الفضاء الخارجي
في حالة تجاوزها قوة الجاذبية الأرضية.. إلى غير ذلك من
أشكال النقص التي
يذكرها العلماء.
ولم
يقتصر الفهم العلمي لعبارة "ننقصها من أطرافها" على ما حدث لقطبي الكرة
الأرضية، وذلك لسببين لغويين:الأول أن الفعل جاء بصيغة المضارع الذي يفيد
حدوث
النقص في الماضي، كما يفيد حدوثه في الحاضر مع استمراره وثانيهما أن
الكلمة (
أطراف ) بالجمع مما يجعل النقص غير قاصر على الطرفين وهكذا يسير
البيان
اللغوي مع البيان العلمي ويصبح الإعجاز اللغوي هو المعبر إلى
الإعجاز العلمي..
وقول الله سبحانه وتعالى: ( وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمرّ مرّ السحاب صنع
الله الّذي أتقن كل شيء إنّه خبير بما تفعلون ) [سورة النمل]،
وفيه يرى كثير من
المفسرين أن الآية تصف أحوال يوم القيامة أو ما يسمونه (
بين يدي يوم القيامة )،
والسبب في ذلك الفهم أن الجبل لا تشاهد متحركة بل
هي ثابتة في مواقعها كما أن
الآيات في السياق تتحدث عن أحوال الآخرة
ولكن "الزمخشري" أدرك بذوقه البياني عدم التلاؤم بين قوله تعالى:( صنع الله الذي
أتقن كل شيء ) وبين ما سيحل بالجبال من نسف وتدمير غير أنه توقف عن القول أن
حركة الجبال حاصلة في دنيا البشر، حيث أن ذلك يصطدم بالمشاهد
وقد
أصبحت الآية – في العصر الحديث، وعلى ضوء الاكتشافات الكونية – واضحة
المعنى، فهي تشير إلى الحقيقة العلمية ( حركة الجبال ) بحركة الأرض التي
تحملها،
كما تتحرك السحب محمولة بالرياح.. وتصبح الآية كاشفة لدوران الأرض
قبل أن
يكتشفه العلماء بقرون كثيرة ولعل الزمخشري أقدم على القول بذلك
أما
القول بالسياق، وأن الآية جاءت في سياق آيات تتحدث عن يوم القيامة فقد جاءت
الآية (86) التي تتحدث عن أمور كونية في الدنيا، وهي قول الله تعالى: ( ألم يروا أنّا
جعلنا اللّيل ليسكنوا فيه والنّهار مبصراً إنّ في ذلك لآيـات لـقوم يؤمنون ) [سورة
النمل]،
جاءت هذه الآية في نفس السياق لآيات يوم القيامة بحيث تتخلل الآيات التي
تتحدث عن الآخرة آيات تتحدث عن الدنيا، وهكذا يوجد تداخل أحياناً بين
الموضوعين