موسوعة
مكنون للإعجاز العلمي - عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : جاء
رجل من بني فَزَارة إلى النبي صلى الله عليه و سلم فقال : إن امرأتي ولدت غلاماً
أسودَ ، فقال النبي صلى الله عليه و سلم : هل لك من إبل ؟ قال : نعم ، قال : فما
ألوانها ؟ قال : حُمر ، قال : هل فيها من أورَق ؟ قال : إن فيها لَوُرقاً ، قال :
فأنَّى أتاها ذلك ؟ قال : عسى أن يكون نَزَعه عِرقٌ ؟ قال : و هذا عسى أن يكون
نَزَعه عِرقٌ . رواه الشيخان و اللفظ لمسلم من كتاب اللعان 1500.
شرح
ألفاظ الحديث :
·
الأورق
: الذي فيه سواد ليس بصاف .
·
نزعه :
اجتذبه وأظهر لونه عليه .
أشار
النبي صلى الله عليه و سلم في هذا الحديث إلى قوانين الوراثة التي اكتُشفت حديثاً
و التي اكتشف كثيراً منها ( مندل ) .
ففي
هذا الحديث كما يقول أحد الأطباء المختصين شرح للصفات الكامنة المحمولة على
المُوَرِّثات التي لم توضع موضع التنفيذ لكونها قد سُبقت أو غُلِبَت بمورثات أخرى
، فقد يرث الإنسان صفة من جد أو جدة بينه وبين أحدهما مئات السنين ؛ وهذه الظاهرة
معروفة و مشار إليها في علم الوراثة.
والرسول الكريم صلى الله عليه و سلم أشار إليها في هذا الحديث
و شرح قوانينها بالصفات السابقة والمسبوقة ، و بحضور الأنساب حتى آدم عليه السلام
، فهل أضاف ( مندل ) و علماء الوراثة المعاصرون شيئاً على ذلك ؟ لا و الله إنهم ما
زادوا عن أن عبروا بأسلوب مختلف
.
وعن
عائشة رضي الله عنها أن امرأة قالت لرسول الله صلى الله عليه و سلم : هل تغتسل
المرأة إذا احتلمت و أبصرت الماء ؟ فقال : نعم . فقالت لها عائشة : تَرِبت يداك
وألَّت ، فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ” دعيها و هل يكون الشَّبه إلا من
قِبَل ذلك ؛ إذا علا ماؤها ماء الرجل أشبه الولد أخوالَه ، و إذا علا ماء الرجل
ماءها أشبه أعمامَه. صحيح مسلم في الحيض 313.
وهذا
الحديث يؤكد أيضاً ما سبق في الحديث السابق ففي كل من ماء الرجل و المرأة صبغيات (
كرموسومات ) تحتوي مورّثات ( جينات ) تختلف من إنسان إلى آخر ، و هذه المورثات إذا
غلبت تظهر خصائصها و آثارها في المولود .
ولهذا يقرر أحد المختصين فيقول : إن الإنسان قبل أن يكون
مجسماً بأعضائه و صفاته كان صيغة صبغية ( كروموسومية ) ومورثية معينة ، فهو ست و
أربعون صبغياً ( كروموسوماً ) تحتوي عدداً كبيراً من المورثات (الجينات ) تتوزَّع
عليها بصيغة تختلف من إنسان إلى آخر .
وهذه الصبغيات ( الكروموسومات ) و المورثات ( الجينات ) وُجدت
كلها في آدم عليه السلام ، ثم أخذت تتوزع في ذريته ؛ و المسألة سهلة و تصورها بسيط
: إن قرص التلفون الذي أمامنا يحتوي عشرة أرقام فقط نستطيع بإدارتها بترتيب مختلف
أن نكلم من نشاء في أرجاء المعمورة ، فأرقام هواتف العالم كلها موجودة في هذا
القرص [ القرار المكين ] .
ويؤكد
هذا المعنى قوله تبارك و تعالى : { وَهُوَ الذَّي أَنشَأكُم مِن نَّفسٍ وَاحِدَةٍ
فَمُستَقَرٌ وَ مُستَودَعٌ قَد فَصَّلنَا الآيَاتِ لِقَومٍ يَفقَهُونَ } [ الأنعام
: 98 ] ، فكل إنسان يحمل في خلاياه الجنسية مُوَرِّثات كُلِّ من يتفرع عنه من
ذريته ، و الله سبحانه بكامل علمه و مشيئته و قدرته قد أحاط بها و هي تنتقل من
مستقرها في الأصلاب إلى مستودعها في الأرحام .
إنها رحلة طويلة و طويلة جداً ، و لكنها مقدرة و معلومة في كل
مراحلها و أطوارها و حركاتها ، إنها رحلة مبرمجة بدقة من قبل الله العليم الحكيم .
وهذا
يقرب لنا معنى الآية القرآنية الكريمة : { وَإِذ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آَدَمَ
مِن ظُهُورِهم ذُرِّيَّتَهُم وَ أَشَهدَهُم عَلَى أَنفُسِهِم أَلَستُ برَبِّكُم
قَالُوا بَلَى شَهِدنَا أَن تَقُولُوا يَومَ القِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَن هَذَا
غَافِلِينَ ( 172 ) أَو تَقُولُوا إِنَّمَا أَشَركَ آَبَاؤُنَا مِن قَبلُ وَ
كُنَّا ذُرِّيَّةً مِن بَعدِهِم أَفَتُهلكُنَا بِمَا فَعَلَ المُبطِلُونَ } [
الأعراف : 172 - 173 ] .
وفي
الحديث الشريف عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : عن النبي صلى الله عليه و سلم
قال : ” يقول الله تبارك و تعالى لأهون أهل النار عذاباً : لو كانت لك الدنيا و ما
فيها أكنت مفتدياً بها ؟ فيقول : نعم ، فيقول : قد أردت منك أهون من هذا و أنت في
صلب آدم ، أن لا تشرك و لا أدخلك النار ، فأبيت إلا الشرك ” ، وفي رواية ثانية
بلفظ : ” قد سئلت ما هو أيسر من ذلك ” [ صحيحي مسلم من كتاب المنافقين ص 2805 ].
ومن
المعلوم أن الخلايا الجنسية الابتدائية تشتق من جدار الحويصل المحِّي ثم تهاجر و
تدخل على الغدد الجنسية الآخذة بالتكون في ظهر المخلوق الجديد ثم تتكاثر فيها .
وجاء
أيضاً في الحديث الشريف عن ابن عباس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه و سلم :
” إن الله أخذ الميثاق من ظهر آدم عليه السلام بنعمان _ موضع قرب عرفات _ يوم عرفة
، فأخرج من صلبه كل ذرية ذرأها ، فنثرها بين يديه ثم كلمهم قَبلاً قال : { وَ إِذ
أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آَدَمَ مِن ظُهُورِهِم ذُرِّيَّتَهُم وَ أَشهَدَهُم
عَلَى أَنفُسِهِم أَلَستُ بِرَبِّكُم قَالُوا بَلَى شَهِدنَا أَن تَقُولُوا يَومَ
القِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَن هّذَا غَافِلِينَ } [ الأعراف 172 ] . [ رواه أحمد
و النسائي و الطبري و الحاكم].