موسوعة مكنون للإعجاز العلمي - عن ثُمامة بن عبد الله قال : كان أنس بن مالك رضي الله عنه
يتنفَّس في الإناء مرتين أو ثلاثة ، و زعم أن النبي صلى الله عليه و سلم كان
يتنفَّس ثلاثاً . صحيح البخاري في الأشربة 5631.
وعن ابن أبي قتادة عن أبيه
قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ” إذا شرب أحدكم فلا يتنفَّس في الإناء
، وإذا بال أحدكم فلا يمسح ذكره بيمينه ، و إذا تمسح أحدكم فلا يتمسح بيمينه ” .
صحيح البخاري في الأشربة 5630.
وأخرج مسلم و أصحاب السنن من
طريق أبي عاصم عن أنس أن النبي صلى الله عليه و سلم كان يتنفَّس في الإناء ثلاثاً
و يقول : ” هو أروَى و أمرَأ و أبرأ ” .
أي أكثر رياً ، و أكثر إبراء
من الأذى و العطش ، و المراد أنه يصير هنيئاً مريئاً سالماً من مرض أو عطش أو أذى .
اقوال المفسرين:
قال بعض العلماء : النهي عن التنفس في الشراب كالنهي عن
النفخ في الطعام و الشراب ، من أجل أنه قد يقع فيه شيء من الريق فيعافه الشارب و
يتقذره ، و محل هذا إذا أكل و شرب مع غيره ، و أما إذا أكل وحده أو مع أهله أو من
يعلم أنه لا يتقذَّر شيئاً مما يتناوله فلا بأس .
قلت : و الأولى تعميم المنع
لأنه لا يؤمَن مع ذلك أن تفضل فضلة أو يحصل التقذَّر من الإناء او نحو ذلك … و قال
القرطبي : معنى النهي عن التنفس في الإناء لئلا يتقذر به من بزاق أو رائحة كريهة
تتعلق بالماء [ فتح الباري : 10 / 94 ] .
هكذا فهم المتقدِّمون من
العلماء الحديث الشريف و زاد فيه المعاصرون معنى آخر ؛ قال أحدهم : وهذا هدي آخر
يُشَرِّفنا به سيدنا محمد صلى الله عليه و سلم ليتمم مكارم الأخلاق ، و النفخ في
الطعام و الشراب خروج عن الآداب العامة و مجلبة للاحتقار و الازدراء ، و النبي صلى
الله عليه و سلم سيد المؤدِّبين و إمام المربِّين .
الإعجاز العلمي في الحديث:
التنفس شهيق و زفير ، الشهيق يدخل الهواء الصافي المفعم
بالأكسجين غلى الرئتين ليمد الجسم بما يحتاجه من الطاقة ، و الزفير يُخرج من
الرئتين الهواء المفعم بغاز الفحم (ثاني أكسيد الكربون) مع قليل من الأكسجين وبعض
فضلات الجسم الطيَّارة التي تخرج عن طريق الرئتين بشكل غازي .
هذه الغازات تكثر نسبتها في
هواء الزفير في بعض الأمراض كما في التسمُّم البَولي … فهواء الزفير هو حامل
لفضلات الجسم الغازية مع قليل من الأكسجين ، لذلك نهى النبي صلى الله عليه و سلم
عن النفخ في الطعام و الشراب .
وأرشد صلى الله عليه و سلم
أيضاً إلى مبدأ هام في أمره بالتنفس عند الشرب ، فمن المعلوم أن شارب الماء دفعة
واحدة يضطر إلى كتم نفسه حتى ينتهي من شرابه ، و ذلك لأن طريق الماء و الطعام و
طريق الهواء يتقاطعان عند البلعوم فلا يستطيعان أن يمرا معاً ، و لابد من وقوف
أحدهما حتى يمر الآخر
.
وعندما يكتم المرء نَفَسه
مدة طويلة ينحبس الهواء في الرئتين فيأخذ بالضغط على جدران الأسناخ الرئوية فتتوسع
و تفقد مرونتها بالتدريج ، و لا يظهر ضرر ذلك في مدة قصيرة ، ولكن إذا اتخذ المرء
ذلك عادة له و صار يعب الماء عباً كالبعير تظهر عليه أعراض انتفاخ الرئة .
فيضيق نَفَسُه عند أقل جهد ،
و تزرقُّ شفتاه و أظافره ، ثم تضغط الرئتان على القلب فيصاب بالقصور ، و ينعكس ذلك
على الكبد فيتضخم ، ثم يحدث الاستسقاء و الوذمات في جميع أنحاء الجسم.
وهكذا فإن انتفاخ الرئتين
مرض خطير حتى أن الأطباء يعدونه أخطر من سرطان الرئة ، و النبي صلى الله عليه و
سلم لا يريد لأفراد أمته كل هذا العناء و العذاب ، لذلك نصحهم أن يَمَصَُوا الماء
مصاً ، وأن يشربوه على ثلاث دفعات فهو أروى و أمرأ و أبرأ.