قبل المهر.. وزفت
العروس..
روي أنه كان في البصرة نساء عابدات، وكانت منهن أم إبراهيم الهاشمية، فأغار العدو على ثغر من ثغور المسلمين، فانتدب الناس للجهاد، فقام عبد الواحد بن زيد البصري خطيبًا في الناس.. فحثهم على الجهاد، ورغبهم فيه.. وكانت أم إبراهيم هذه حاضرة في مجلسه.. وتمادى عبد الواحد في كلامه.. ثم وصف الجنة، وما فيها من الحور العين.. وما قيل فيهن.. وأنشد في صفة حوراء:
فسمع الناس الأبيات.. وشوقهم إلى الحور العين.. واضطرب المجلس.. فوثبت أم إبراهيم من وسط الناس، وقالت لعبد الواحد: يا أبا عبيد، ألست تعرف ولدي إبراهيم، ورؤساء أهل البصرة يخطبونه لبناتهم، وأنا أبخل به عليهم، فقد والله أعجبتني هذه الجارية، وأنا أرضاها عروسًا لولدي.. فكرِّر ما ذكرت من حسنها وجمالها..
فأخذ عبد الواحد في وصفها من جديد.. وهيج الناس.. وشوقهم أيَّما تشويق.. فوثبت أم إبراهيم، وقالت: يا أبا عبيد، قد – والله – أعجبتني هذه الجارية، وأنا أرضاها عروسًا لولدي، فهل لك أن تزوِّجه منها، وتأخذ مني مهرها عشرة آلاف دينار، ويخرج معك في هذه الغزوة، فلعل الله يرزقه الشهادة، فيكون شفيعًا لي ولأبيه في القيامة؟!
فقال عبد الواحد: لئن فعلت؛ لتفوزنَّ أنت وولدك وأبو ولدك فوزًا عظيمًا.. فقامت أم إبراهيم فنادت ولدها: يا إبراهيم!
فوثب من وسط الناس، وقال لها: لبيك يا أماه! قالت: يا بني، أرضيتَ بهذه الجارية زوجة لك، يبذل مهجتك في سبيل الله، وترك الذنوب؟
فقال الفتى: إي والله يا أماه.. رضيت أي رضى. فقالت: اللهم إني أشهدك أني زوجت ولدي هذا من هذه الجارية، ببذل مهجته في سبيلك، وترك الذنوب.. فتقبله مني يا أرحم الراحمين..
ثم انصرفت، فجاءت بعشرة آلاف دينار، وقالت: يا أبا عبيد، هذا مهر الجارية، تجهز به، وجهز به الغزاة في سبيل الله.
وانصرفت، فاشترت لولدها فرسًا جيدًا وسلاحًا، فلما خرج عبد الواحد، خرج إبراهيم معه، والقراء يقرؤون: [إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ] [التوبة: 111].
ثم وقفت أم إبراهيم أمام ولدها وقفة الوداع الأخير.. ودفعت إليه كفنًا وحنوطًا.. وقالت له: يا بني، إذا أردت لقاء العدو، فتكفن بهذا الكفن، وتحنط بهذا الحنوط، وإياك أن يراك الله مقصِّرًا في سبيله.. ثم ضمته إلى صدرها.. وقبلته بين عينيه.. وقالت: يا بني، لا جمع الله بيني وبينك إلا بين يديه في عرصات القيامة!!
قال عبد الواحد: فلما بلغنا بلاد العدو، وبرز الناس للقتال، برز إبراهيم في المقدمة، فقاتل قتالاً شديدًا.. وقتل من العدو خلقًا كثيرًا.. ثم اجتمعوا عليه.. فقتلوه..
قلما أردنا الرجوع إلى البصرة، قلت لأصحابي: لا تخبروا أم إبراهيم حتى أكون أنا الذي يخبرها، فألقاها بحسن العزاء؛ لئلا تجزع فيذهب أجرها.. قال: فلما وصلنا البصرة، خرج الناس يتلقوننا، وخرجت أم إبراهيم فيمن خرج فلما أبصرتني قالت: يا أبا عبيد، هل قلبت مني هديتي فأهنأ، أم ردت علي فأعزى؟!
فقلت لها: قد قبلت – والله – هديتك، وإن إبراهيم حي مع الشهداء – إن شاء الله – فخرت ساجدة لله شكرًا.. وقالت: الحمد لله الذي لم يخيب ظني، وتقبل نسكي مني.. ثم انصرفت.
فلما كان من الغد أتت إلى المسجد، فقالت: السلام عليك يا أبا عبيد.. بشراك.. بشراك!
فقلت لها: لا زلت مبشرة بالخير.
فقالت: رأيت البارحة ولدي إبراهيم في روضة حسناء.. وعليه قبة خضراء.. وهو على سرير من اللؤلؤ.. وعلى رأسه تاج وإكليل.. وهو يقول لي:
يا أماه.. أبشري، فقد قبل المهر.. وزفت العروس .
روي أنه كان في البصرة نساء عابدات، وكانت منهن أم إبراهيم الهاشمية، فأغار العدو على ثغر من ثغور المسلمين، فانتدب الناس للجهاد، فقام عبد الواحد بن زيد البصري خطيبًا في الناس.. فحثهم على الجهاد، ورغبهم فيه.. وكانت أم إبراهيم هذه حاضرة في مجلسه.. وتمادى عبد الواحد في كلامه.. ثم وصف الجنة، وما فيها من الحور العين.. وما قيل فيهن.. وأنشد في صفة حوراء:
فسمع الناس الأبيات.. وشوقهم إلى الحور العين.. واضطرب المجلس.. فوثبت أم إبراهيم من وسط الناس، وقالت لعبد الواحد: يا أبا عبيد، ألست تعرف ولدي إبراهيم، ورؤساء أهل البصرة يخطبونه لبناتهم، وأنا أبخل به عليهم، فقد والله أعجبتني هذه الجارية، وأنا أرضاها عروسًا لولدي.. فكرِّر ما ذكرت من حسنها وجمالها..
فأخذ عبد الواحد في وصفها من جديد.. وهيج الناس.. وشوقهم أيَّما تشويق.. فوثبت أم إبراهيم، وقالت: يا أبا عبيد، قد – والله – أعجبتني هذه الجارية، وأنا أرضاها عروسًا لولدي، فهل لك أن تزوِّجه منها، وتأخذ مني مهرها عشرة آلاف دينار، ويخرج معك في هذه الغزوة، فلعل الله يرزقه الشهادة، فيكون شفيعًا لي ولأبيه في القيامة؟!
فقال عبد الواحد: لئن فعلت؛ لتفوزنَّ أنت وولدك وأبو ولدك فوزًا عظيمًا.. فقامت أم إبراهيم فنادت ولدها: يا إبراهيم!
فوثب من وسط الناس، وقال لها: لبيك يا أماه! قالت: يا بني، أرضيتَ بهذه الجارية زوجة لك، يبذل مهجتك في سبيل الله، وترك الذنوب؟
فقال الفتى: إي والله يا أماه.. رضيت أي رضى. فقالت: اللهم إني أشهدك أني زوجت ولدي هذا من هذه الجارية، ببذل مهجته في سبيلك، وترك الذنوب.. فتقبله مني يا أرحم الراحمين..
ثم انصرفت، فجاءت بعشرة آلاف دينار، وقالت: يا أبا عبيد، هذا مهر الجارية، تجهز به، وجهز به الغزاة في سبيل الله.
وانصرفت، فاشترت لولدها فرسًا جيدًا وسلاحًا، فلما خرج عبد الواحد، خرج إبراهيم معه، والقراء يقرؤون: [إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ] [التوبة: 111].
ثم وقفت أم إبراهيم أمام ولدها وقفة الوداع الأخير.. ودفعت إليه كفنًا وحنوطًا.. وقالت له: يا بني، إذا أردت لقاء العدو، فتكفن بهذا الكفن، وتحنط بهذا الحنوط، وإياك أن يراك الله مقصِّرًا في سبيله.. ثم ضمته إلى صدرها.. وقبلته بين عينيه.. وقالت: يا بني، لا جمع الله بيني وبينك إلا بين يديه في عرصات القيامة!!
قال عبد الواحد: فلما بلغنا بلاد العدو، وبرز الناس للقتال، برز إبراهيم في المقدمة، فقاتل قتالاً شديدًا.. وقتل من العدو خلقًا كثيرًا.. ثم اجتمعوا عليه.. فقتلوه..
قلما أردنا الرجوع إلى البصرة، قلت لأصحابي: لا تخبروا أم إبراهيم حتى أكون أنا الذي يخبرها، فألقاها بحسن العزاء؛ لئلا تجزع فيذهب أجرها.. قال: فلما وصلنا البصرة، خرج الناس يتلقوننا، وخرجت أم إبراهيم فيمن خرج فلما أبصرتني قالت: يا أبا عبيد، هل قلبت مني هديتي فأهنأ، أم ردت علي فأعزى؟!
فقلت لها: قد قبلت – والله – هديتك، وإن إبراهيم حي مع الشهداء – إن شاء الله – فخرت ساجدة لله شكرًا.. وقالت: الحمد لله الذي لم يخيب ظني، وتقبل نسكي مني.. ثم انصرفت.
فلما كان من الغد أتت إلى المسجد، فقالت: السلام عليك يا أبا عبيد.. بشراك.. بشراك!
فقلت لها: لا زلت مبشرة بالخير.
فقالت: رأيت البارحة ولدي إبراهيم في روضة حسناء.. وعليه قبة خضراء.. وهو على سرير من اللؤلؤ.. وعلى رأسه تاج وإكليل.. وهو يقول لي:
يا أماه.. أبشري، فقد قبل المهر.. وزفت العروس .