لماذا صارت قلوبنا قاسية كالحجارة إلا من رحم الله بل إن من الحجارة لما يتفجر منه الأنهار وإن منها لما يشقق فيخرج منه الماء ولكن قلوبنا تأبى إلا أن تقسو أما علمنا قول الله تعالى : أَلَمْ يَأْنِ
لِلَّذِينَ آَمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ
مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ
فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ .
الحديد 16
ألا نعلم يقينا أن طول الأمد يورث قسوة القلب لكن شتانا بين حالنا وحال سلفنا الصالح مع القرآن .
روى أبو العلي القشيري محمد بن سعيد الحراني ، في تاريخ الرقة
، في ترجمة ميمون بن مهران ، وميمون هذا كان كاتباً لـعمر بن عبد العزيز رضي الله
عنه.
شعر ميمون بن مهران بقسوة في قلبه، وكان قد تقاعد، فقال لابنه
عمرو : يا بني! خذ بيدي وانطلق بنا إلى الحسن ، قال عمرو : فأخذت بيد أبي أقوده
إلى الحسن البصري ، قال: فاعترضنا جدول ماء -قناة- فلم يستطع الشيخ أن يعبرها،
فجعلت نفسي قنطرة عليها فمر من فوق ظهري، ثم انطلقت به أقوده، فلما وصلنا إلى بيت الحسن ، وطرقنا الباب
خرجت الجارية، فقالت: من؟ قال لها: ميمون بن مهران ، فقالت له
الجارية: يا شيخ السوء ما أبقاك إلى هذا الزمان السوء، فبكى ميمون ، وعلا نحيبه، فسمع الحسن بكاءه فخرج، فلما رآه اعتنقا فقال ميمون للحسن
البصري : يا أبا سعيد : إني آنست من قلبي
غلظة، فاستلن لي .
فقال الحسن : بسم الله الرحمن
الرحيم: أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ * ثُمَّ جَاءَهُمْ مَا كَانُوا
يُوعَدُونَ * مَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يُمَتَّعُونَ [الشعراء:205-207]، فأغشي على ميمون ، فجعل الحسن يتفقد رجله كما تتفقد رجل الشاة
المذبوحة، يظن أنه مات، وبعد مدةٍ أفاق، فقالت الجارية لهما: اخرجا، لقد أزعجتما
الشيخ اليوم. نفهم من كلام الجارية: أن هذه الآيات فتتت
كبد الحسن هو الآخر،
قال عمرو : فلما خرجت بأبي
أقوده، قلت له: يا أبي! هذا هو الحسن ، قال:
نعم يا بني، قال: قلت: كنت أظنه أكبر من ذلك. قال عمرو : فضرب أبي بيده في صدري،
وقال: يا بني! لقد قرأ عليك آيات لو تدبرتها بقلبك لأرسلت لها، لكنه لؤم فيك؟ هذه
الآيات لا تغادر سمعك حتى تجرح قلبك: أَفَرَأَيْتَ إِنْ
مَتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ * ثُمَّ جَاءَهُمْ مَا كَانُوا يُوعَدُونَ * مَا أَغْنَى
عَنْهُمْ مَا كَانُوا يُمَتَّعُونَ .