قال الله تعالى: "إن في خلق السموات والأرض
واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب *الذين يذكرون الله قياماً وقعوداً
وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السموات والأرض ربنا ماخلقت هذا باطلاً سبحانك فقنا
عذاب النار ".
عن يحيى بن زكريا بن إبراهيم بن السويد النخعي: نا
عبدالملك بن سليمان عن عطاء قال:
دخلت أنا وعبيد بن عمير
على عائشة رضي الله عنها، فقال عبدالله بن عمير:حدثينا بأعجب شيء رأيتيه من رسول
الله صلى الله عليه وسلم، فبكت وقالت: قام ليلة من الليالي، فقال: يا عائشة !
ذريني أتعبد لربي. قالت: قلت:والله إني لأحب قربك، وأحب ما يسرك. قالت:فقام فتطهر،
ثم قام يصلي،فلم يزل يبكي حتى بلَ حجره، ثم بكى،فلم يزل يبكي حتى بلَ الأرض، وجاء
بلال يؤذنه بالصلاة، فلما رآه يبكي قال:يا رسول الله! تبكي وقد غفرالله لك ما تقدم
من ذنبك وما تأخر؟ !قال :أفلا أكون عبداً شكوراً؟(لقد نزلت علي الليلة آيات؛ ويلٌ
لمن قرأها ولم يتفكر فيها:(إن في خلقالسماوات والأرض) الآية –آل عمران:190-191
أخرجه مسلم(2/167).
سلسلة الأحاديث الصحيحة
مجلد الأول/قسم الأول
يخبر تعالى :
" إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب
"
وفي ضمن ذلك حث العباد
على التفكر فيها والتبصر بآياتها وتدبر خلفها وأبهم قوله :
آيات "
ولم يقل : على المطلب
الفاني إشارة لكثرتها وعمومها وذلك لأن فيها من الآيات العجيبة ما يبهر الناظرين
ويقنع المتفكرين ويجذب أفئدة الصادقين وينبه العقول النيرة على جميع المطالب
الإلهية فأما تفصيل ما اشتملت عليه فلا يمكن مخلوقا أن يحصره ويحيط ببعضه وفي
الجملة فما فيها من العظمة والسعة وانتظام السير والحركة يدل على عظمة خالقها
وعظمة سلطانه وشمول قدرته
وما فيها من الإحكام
والإتقان وبديع الصنع ولطائف الفعل يدل على حكمة الله ووضعه الأشياء مواضعها وسعة
علمه
وما فيها من المنافع
للخلق يدل على سعة رحمة الله وعموم فضله وشمول بره ووجوب شكره
وكل ذلك يدل على تعلق
القلب بخالقها ومبدعها وبذل الجهد في مرضاته وأن لا يشرك به سواه ممن لا يملك
لنفسه ولا لغيره مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء .
وخص الله بالآيات أولي
الألباب وهم أهل العقول ؛ لأنهم هم المنتفعون بها الناظرون إليها بعقولهم لا
بأبصارهم
ثم وصف أولي الألباب
بأنهم
" يذكرون الله "
في جميع أحوالهم:
" قياما وقعودا وعلى جنوبهم
"
وهذا يشمل جميع أنواع
الذكر بالقول والقلب ويدخل في ذلك الصلاة قائما فإن لم يستطع فقاعدا فإن لم يستطع
فعلى جنب وأنهم
" ويتفكرون في خلق السماوات والأرض "
أي : ليستدلوا بها على
المقصود منها ودل هذا على أن التفكر عبادة من صفات أولياء الله العارفين فإذا تفكروا بها عرفوا أن الله
لم يخلقها عبثا فيقولون:
" ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك
"
عن كل ما لا يليق بجلالك
بالحق وللحق بل خلقتها مشتملة على الحق
" فقنا
عذاب النار "
بأن تعصمنا من السيئات
وتوفقنا للأعمال الصالحات لننال بذلك النجاة من النار
ويتضمن ذلك سؤال الجنة
لأنهم إذا وقاهم الله عذاب النار حصلت لهم الجنة ولكن لما قام الخوف بقلوبهم دعوا
الله بأهم الأمور عندهم .
تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان لإبن سعدي