عن أبي ذر رضي اللّه عنه أن رسول اللّه قال:
بينما رجلٌ يمشي بطريق اشتدَّ عليه العطشُ. فوجد
بئرا فنزل فيها، فشرب، ثم خرج، فإِذا كلبٌ يلهَثُ، يأكل الثَّرَى من العطش. فقال
الرجل: "لقد بَلَغَ هذا الكلبَ من العطش مثلُ الذي كان قد بلغ مني ".
فنزل البئرَ، فملأ خفَّه ماءً، ثم أمسكه بفيه حتى
رقِي فسقى الكلب. فشكر الله له، فغفر له.
قالوا: "يا رسول اللّه، وإن لنا في البهائم
أجرا؟ ". فقال ": في كل كبِد رطبة أجرٌ".
( متفق عليه)
لقد أجمع العلماء على أن الماء هو العنصر الأساسي
في تكوين الأجسام الحية و أنه يدخل في خلايا جميع الأجهزة والعصارات والسوائل
والدم وغيرها بدون استثناء, وقد قدر فيها بأكثر من 70 و85% لذلك فقد
أصبح الماء ضروريا في الحياة, خاصة أن جهاز الهضم لا يعمل إذا لم يكن ماء يكمل به
الهضم, كما أن المواد الضارة المتخلفة من عمليات الهضم لا يمكن أن تنفث إلى الخارج
إذا لم يشرب الإنسان والحيوان الماء لتخرج بالبول أو العرق أو التبرز.
أما إذا نقصت كمية الماء في الجسم عن المستوى
المطلوب فإن ذلك يؤدي إلى الصداع والأرق وعسر الهضم والإمساك. وإذا كان النقص
كبيرا فإن عمل الجسم يختل ويضطرب النظام فيه, ثم يبدأ الجسم بالجفاف حيث تجف
خلاياه وتظهر التجاعيد على الجلد نتيجة ذلك.
وللمحافظة على توازن الماء في الجسم يحتوي الدم
على مستوى عالي من البروتين الذي لا يدخل للخلية أبدا, وأهم البروتينات
التي تقوم بالمحافظة على توازن الماء هو (الألبومين) الذي
ينتجه عضو واحد في الجسم وهو (الكبد).
الكبد هو أكبر عضو في جسم
الإنسان ،حيث يبلغ وزنه كيلو ونصف الكيلو .ويقع الكبد في أعلى الجهة اليمنى من
البطن ، ويحميه الجزء السفلي من القفص الصدري .ويقوم الكبد بما لا يقل عن خمسة
آلاف وظيفة مهمة لاستمرار الحياة حيث يقوم بإنتاج اللبنات الأساسية اللازمة لبناء
الجسم وكذلك تخليصه من المواد الكيميائية السامة الناتجة عن الاحتراق و إنتاج
العصارة الصفراوية ونقلها إلى الأمعاء عن طريق القنوات المرارية المنتشرة فيها .
وتعمل العصارة الصفراوية على المساعدة في هضم الأطعمة كما ينتج الكبد العديد من
البروتينات ،و الهرمونات والأنزيمات التي تؤدي إلى انتظام عمل جسم الإنسان وكذلك
المواد الضرورية لتجلط الدم .بالإضافة إلى مسؤوليته عن تمثيل الكوليسترول ،
وانتظام نسبة السكر في الدم ، و التعامل مع الغالبية العظمى من الأدوية التي يتناولها الإنسان و
ذلك لتخليصه من هذه المواد الكيميائية بعد الاستفادة منها.
وبدوره يعمل الألبومين على المحافظة على الضغط
الأسموزي ,الذي يعمل على بقاء السائل ضمن مجرى الدم بدلا من احتباسه في الأنسجة.
وانخفاض مستوى هذا البروتين يؤدي الى عدم السيطرة على توازن الماء وبالتالي
انتقاله من خارج الخلية الى داخلها مما يعني احتباس الماء في الخلية , هذا
الاحتباس يؤدي في النهاية الى موت الخلية..!!
وهذا مؤشر على وجود خلل في وظائف الكبد وعدم قدرته
على تصنيع بروتين الألبومين..!
من ناحية أخرى..يعتمد مستوى بروتين الألبومين على
مدى رطوبة الجسم, فالشخص الذي يعاني من نقص الماء (الجفاف) تقل نسبة
الألبومين في دمه , وترتفع بعد معالجة حالة الجفاف.
وهذا يؤكد على مدى حساسية مستوى هذا البروتين
للتغيرات التي تحدث في رطوبة الجسم أو جفافه..!
وفي قوله عليه الصلاة والسلام "كَبِد رطبة...
" كِنايةٌ عن الحياة, والكِناية أن تُطْلِقَ اللفظَ وتريد لازمَه.
ومثال ذلك قولهم "فلان كثيرُ
الرَّمادِ"، أي هو كريم. فلازم هذا المعنى، هو كثرةُ إِيقاد النار لكَثْرَة ما
يُطْبَخُ عليها لكثرة الآكلين، وذلك دليلُ الجُودِ والكَرَم، فيكون الموصوف بالكرم رمادهُ كثيراً. وكذلك
المقصود بالرُّطُوبة هنا لازمُ الرُّطوبةِ وهو الحياة. إِذْ كَبِدُ الحَيَوانِ
الحَيِّ رَطْبَةٌ وإِذا مات
الحيوان جَفَّ جِسْمُه وجَفَّتْ معه كَبِدُه.
وفي قوله صلى الله عليه وسلم : "في كل كبد رطبة
أجر" مجاز مرسل، علاقته: الجزئية ذلك أنه أطلق الكَبِدَ الرَّطْبَة، وأراد
بها الحَيَوانَ الحَيَّ، فأطلق الجُزْءَ وأراد الكـلَّ.
( وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ
إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (4) عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى( (5)
سورة النجم