حكم الإسلام في العشق
الحمد لله الذي جعل المحبة إلى الظفر بالمحبوب سبيلا، ونصب طاعته والخضوع له على صدق المحبة دليلا، وحرك بها النفوس إلى أنواع الكمالات إيثارا لطلبها وتحصيلا، وأودعها العالم العلوي السفلي لإخراج كماله من القوة إلى الفعل إيجادا وإمدادا وقبولا، وأثار بها الهمم السامية والعزمات العالية إلى أشرف غاياتها تخصيصا لها وتأهيلا؛ فسبحان من صرف عليها القلوب كما يشاء ولما يشاء بقدرته، واستخرج بها ما خلق له كل حي بحكمته، وصرفها أنواعا وأقساما بين بريته، وفصلها تفصيلا فجعل كل محبوب لمحبه نصيبا مخطئا كان في محبته أو مصيبا، وجعله بحبه منعما أو قتيلا، فقسمها بين محب الرحمن، ومحب الأوثان، ومحب النيران، ومحب الصلبان، ومحب الأوطان، ومحب الإخوان، ومحب النسوان، ومحب الصبيان، ومحب الأثمان، ومحب الإيمان، ومحب الألحان، ومحب القرآن، وفضل أهل محبته ومحبة كتابه ورسوله على سائر المحبين تفضيلا، فبالمحبة وللمحبة وجدت الأرض والسموات، وعليها فطرت المخلوقات، ولها تحركت الأفلاك الدائرات، وبها وصلت الحركات إلى غاياتها، واتصلت بداياتها بنهاياتها، وبها ظفرت النفوس بمطالبها، وحصلت على نيل مآربها، وتخلصت من معاطبها، واتخذت إلى ربها سبيلا، وكان لها دون غيره مأمولا وسولا، وبها نالت الحياة الطيبة، وذاقت طعم الإيمان لما رضيت بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد رسول1.
وأشهد ألا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أرسله الله على حين فترة من الرسل بين يدي الساعة مبشراً ونذيراً وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، اللهم صل عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً..
أما بعد:
حديثنا -عباد الله- في هذه الدقائق المعدودة عن حكم الإسلام في العشق، أو ما يعبر عنه البعض بـ: "الحب العاطفي!!"؛ فقد بين العلماء: أن المحبة أنواع متعددة؛ فمنها ما هو حلال نافع، بل هو واجب؛ كحب الفرد لأبيه وأمه وزوجه، ومنها ما هو مستحب كمحبة الفرد لصديقه لله وفى الله، وليس لأجل المصلحة الدنيوية، ومنها المحبة الضارة المحرمة شرعاً، وهى المحبة التي تقع بين جموع الشباب والفتيات، والذي يطلق عليها أدعياء الحضارة "الحب العاطفي" ويطلق عليها علماء الشرع "عشق الصور"؛ وسماه العلماء بعشق الصور؛ لأن العاشق يحفر صورة معشوقه في عقله.
وأقل ما يقال في العشق أنه حرام إذا كان في بدايته؛ لأن لا مصلحة فيه، بل فيه مفاسد عظيمة، وعواقب وخيمة.
بل إن العشق قد يوصل صاحبه إلى الكفر -والعياذ بالله-؛ كما يقول ابن القيم: "وهو تارة يكون كفر لمن اتخذ معشوقه ندا يحبه كما يحب الله، فكيف إذا كانت محبته أعظم من محبة الله في قلبه... وعلامة هذا العشق الشركي الكفري أن يقدم العاشق رضاء معشوقه على رضاء ربه، وإذا تعارض عنده حق معشوقه وحقه وحق ربه وطاعته قدم حق معشوقه على حق ربه، وآثر رضاه على رضاه، وبذل لمعشوقه أنفس ما يقدر عليه، وبذل لربه إن بذل أردى ما عنده، واستفرغ وسعه في مرضات معشوقه وطاعته والتقرب إليه، وجعل لربه إن أطاعه الفضلة التي تفضل عن معشوقه من ساعاته، فتأمل حال أكثر عشاق الصور هل تجدها مطابقة لذلك، ثم ضع حالهم في كفة وتوحيدهم في كفة وإيمانهم في كفة ثم زن وزنا يرضي الله ورسوله ويطابق العدل، وربما صرح العاشق منهم بأن وصل معشوقه أحب إليه من توحيد ربه؛ كما قال العاشق الخبيث:
يترشفن من فمي رشفات *** هنّ أحلى فيه من التوحيد!!
وكما صرح الخبيث الآخر بأن وصل معشوقه أشهى إليه من رحمة ربه -فعياذا بك اللهم من هذا الخذلان ومن هذا الحال-، قال الشاعر:
وصلك أشهى إلى فؤادي *** من رحمة الخالق الجليل
ولا ريب أن هذا العشق من أعظم الشرك وكثير من العشاق يصرح بأنه لم يبق في قلبه موضع لغير معشوقه ألبتة، بل قد ملك معشوقه عليه قلبه كله فصار عبدا مخلصا من كل وجه لمعشوقه، فقد رضي هذا من عبودية الخالق -جل جلاله- بعبودية المخلوق مثله"2.
الحمد لله الذي جعل المحبة إلى الظفر بالمحبوب سبيلا، ونصب طاعته والخضوع له على صدق المحبة دليلا، وحرك بها النفوس إلى أنواع الكمالات إيثارا لطلبها وتحصيلا، وأودعها العالم العلوي السفلي لإخراج كماله من القوة إلى الفعل إيجادا وإمدادا وقبولا، وأثار بها الهمم السامية والعزمات العالية إلى أشرف غاياتها تخصيصا لها وتأهيلا؛ فسبحان من صرف عليها القلوب كما يشاء ولما يشاء بقدرته، واستخرج بها ما خلق له كل حي بحكمته، وصرفها أنواعا وأقساما بين بريته، وفصلها تفصيلا فجعل كل محبوب لمحبه نصيبا مخطئا كان في محبته أو مصيبا، وجعله بحبه منعما أو قتيلا، فقسمها بين محب الرحمن، ومحب الأوثان، ومحب النيران، ومحب الصلبان، ومحب الأوطان، ومحب الإخوان، ومحب النسوان، ومحب الصبيان، ومحب الأثمان، ومحب الإيمان، ومحب الألحان، ومحب القرآن، وفضل أهل محبته ومحبة كتابه ورسوله على سائر المحبين تفضيلا، فبالمحبة وللمحبة وجدت الأرض والسموات، وعليها فطرت المخلوقات، ولها تحركت الأفلاك الدائرات، وبها وصلت الحركات إلى غاياتها، واتصلت بداياتها بنهاياتها، وبها ظفرت النفوس بمطالبها، وحصلت على نيل مآربها، وتخلصت من معاطبها، واتخذت إلى ربها سبيلا، وكان لها دون غيره مأمولا وسولا، وبها نالت الحياة الطيبة، وذاقت طعم الإيمان لما رضيت بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد رسول1.
وأشهد ألا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أرسله الله على حين فترة من الرسل بين يدي الساعة مبشراً ونذيراً وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، اللهم صل عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً..
أما بعد:
حديثنا -عباد الله- في هذه الدقائق المعدودة عن حكم الإسلام في العشق، أو ما يعبر عنه البعض بـ: "الحب العاطفي!!"؛ فقد بين العلماء: أن المحبة أنواع متعددة؛ فمنها ما هو حلال نافع، بل هو واجب؛ كحب الفرد لأبيه وأمه وزوجه، ومنها ما هو مستحب كمحبة الفرد لصديقه لله وفى الله، وليس لأجل المصلحة الدنيوية، ومنها المحبة الضارة المحرمة شرعاً، وهى المحبة التي تقع بين جموع الشباب والفتيات، والذي يطلق عليها أدعياء الحضارة "الحب العاطفي" ويطلق عليها علماء الشرع "عشق الصور"؛ وسماه العلماء بعشق الصور؛ لأن العاشق يحفر صورة معشوقه في عقله.
وأقل ما يقال في العشق أنه حرام إذا كان في بدايته؛ لأن لا مصلحة فيه، بل فيه مفاسد عظيمة، وعواقب وخيمة.
بل إن العشق قد يوصل صاحبه إلى الكفر -والعياذ بالله-؛ كما يقول ابن القيم: "وهو تارة يكون كفر لمن اتخذ معشوقه ندا يحبه كما يحب الله، فكيف إذا كانت محبته أعظم من محبة الله في قلبه... وعلامة هذا العشق الشركي الكفري أن يقدم العاشق رضاء معشوقه على رضاء ربه، وإذا تعارض عنده حق معشوقه وحقه وحق ربه وطاعته قدم حق معشوقه على حق ربه، وآثر رضاه على رضاه، وبذل لمعشوقه أنفس ما يقدر عليه، وبذل لربه إن بذل أردى ما عنده، واستفرغ وسعه في مرضات معشوقه وطاعته والتقرب إليه، وجعل لربه إن أطاعه الفضلة التي تفضل عن معشوقه من ساعاته، فتأمل حال أكثر عشاق الصور هل تجدها مطابقة لذلك، ثم ضع حالهم في كفة وتوحيدهم في كفة وإيمانهم في كفة ثم زن وزنا يرضي الله ورسوله ويطابق العدل، وربما صرح العاشق منهم بأن وصل معشوقه أحب إليه من توحيد ربه؛ كما قال العاشق الخبيث:
يترشفن من فمي رشفات *** هنّ أحلى فيه من التوحيد!!
وكما صرح الخبيث الآخر بأن وصل معشوقه أشهى إليه من رحمة ربه -فعياذا بك اللهم من هذا الخذلان ومن هذا الحال-، قال الشاعر:
وصلك أشهى إلى فؤادي *** من رحمة الخالق الجليل
ولا ريب أن هذا العشق من أعظم الشرك وكثير من العشاق يصرح بأنه لم يبق في قلبه موضع لغير معشوقه ألبتة، بل قد ملك معشوقه عليه قلبه كله فصار عبدا مخلصا من كل وجه لمعشوقه، فقد رضي هذا من عبودية الخالق -جل جلاله- بعبودية المخلوق مثله"2.
وها نحن نسمع كلمات على ألسنة بعض الشباب والشابات الذي ابتلوا بهذا الداء العضال؛ فهذا أحدهم يقول: "أنا أعبدك"، ويقول آخر لمعشوقته: "إني أحبها أكثر من كل شيء"، وما إلى ذلك من الكلمات التي تُسمع على القنوات الفضائحية، ومن ثم تتداول بين أوساط الشباب..
فيا أيها العاشق الولهان: تدبر العواقب، واحذر قوة المراقب، وخف من عقوبة المعاقب، واحذر من حفر الحب الخائب، فإنه والله للنار شر طالب، أين الذين قعدوا في طلب الهيام وقاموا وداروا على بنيان قصر العشاق النادمين وحاموا، فيا أقل ما لبثوا وانقص ما قاموا، لقد وبخوا أنفسهم في عقر قبورهم على ما أسلفوا من العشق الحرام ولامو3.
وقد أنكر الله تعالى على من ساوى حب الأنداد والأمثال بحب الله فكيف بمن جعل حب الدنيا وما فيها أعظم من حب الله فقال تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللّهِ أَندَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللّهِ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبًّا لِّلّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلّهِ جَمِيعاً وَأَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ** (165) سورة البقرة.
اللهم إنا نسألك أن تجعل حبنا لك أعظم من حبنا كل ما سواك، اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان واجعلنا من الراشدين.
ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لن وترحمنا لنكونن من الخاسرين. أيها الناس استغفروا ربكم إنه كان غفوراً رحيماً.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.أما بعد:
أيها الناس: إن للعشق أضراراً ومفاسد كثيرة ذكرها العلماء؛ فمن ذلك ما يأتي:
أولاً: أن العشق يوقع العاشق في المحرمات شيئاً فشيئاً، فتجد العاشق يريد لفت انتباه معشوقه؛ إما بالابتسامة، أو بالاتفاق الملحوظ في الرأي، أو بالنظر نظراً شيطانياً غير عادي، وهذا شيء ملاحظ عند العشاق.
ثانياً: الانشغال بحب المعشوق وذكره عن حب الله وذكره، يقول ابن القيم -رحمه الله-: "فلا يمكن أن يجتمع في القلب حب المحبوب الأعلى وعشق الصور أبداً، بل هما ضدان لا يجتمعان بل لابد إن يخرج أحدهما صاحبه"4.
ثالثاً: عذاب قلبه بمعشوقه، فإن من أحب شيئا غير الله عذّب به ولابد؛ كما قيل:
فما في الأرض أشقى من محب *** وإن وجد الهوى حلو المذاق
تراه باكيا في كل حين *** مخافة فرقة أو لاشتياق
فيبكي إن نأوا شوقا إليهم *** ويبكي إن دنوا خوف الفراق
فتسخن عينه عند الفراق *** وتسخن عينه عند التلاقي
رابعاً: أن العاشق قلبه أسير في قبضة معشوقه يسومه الهوان، ولكن لسكرة العشق لا يشعر بمصابه، فقلبه كالعصفورة في كف الطفل يسومها حياض الردى، والطفل يلهو ويلعب، فيعيش العاشق عيش الأسير الموثق، ويعيش الخلي عيش المسيب المطلق، والعاشق كما قيل:
طليق برأي العين وهو أسير *** عليل على قطب الهلاك يدور
وميت يرى في صورة الحي غاديا *** وليس له حتى النشور نشور
أخو غمرات ضاع فيهن قلبه *** فليس له حتى الممات حضور
خامساً: أن العشق يشغل صاحبه عن مصالح دينه ودنياه؛ "فليس شيء أضيع لمصالح الدين والدنيا من عشق الصور، أما مصالح الدين فإنها منوطة بلمّ شعث القلب وإقباله على الله وعشق الصور أعظم شيئا تشعيثا وتشتيتا له، وأما مصالح الدنيا فهي تابعة في الحقيقة لمصالح الدين فمن انفرطت عليه مصالح دينه وضاعت عليه فمصالح دنياه أضيع وأضيع".
سادساً: أن آفات الدنيا والآخرة أسرع إلى عشاق الصور من النار في يابس الحطب، وسبب ذلك أن القلب كلما قرب من العشق قوى اتصاله به بعد من الله، فأبعد القلوب من الله قلوب عشاق الصور، وإذا بعد القلب من الله طرقته الآفات من كل ناحية، فإن الشيطان يتولاه من تولاه عدوه واستولى عليه لم يأله وبالا، ولم يدع أذى يمكنه إيصاله إليه إلا أوصله، فما الظن من قلب تمكن منه عدوه.
سابعاً: ومن مضار العشق ومفاسده أنه يفسد الحواس معنوياً وصورياً؛ "أما الفساد المعنوي فهو تابع لفساد القلب، فإن القلب إذا فسد فسدت العين والأذن واللسان فيرى القبيح حسناً منه ومن معشوقه كما في المسند مرفوعا: (حبك الشيء يعمي ويصم)5، فهو يعمي عين القلب عن رؤية مساوي المحبوب وعيوبه، فلا ترى العين ذلك ويصم أذنه عن الإصغاء إلى العذل فيه فلا تسمع الأذن ذلك والرغبات تستر العيوب فإن الراغب في شيء لا يرى عيوبه حتى إذ زالت رغبته فيه أبصر عيوبه فشدت الرغبة غشاوة على العين تمنع من رؤية الشيء على ما هو عليه كما قيل:
هويتك إذ عيني عليها غشاوة *** فلما انجلت قطعت نفسي ألومها
وأما فساده للحواس ظاهراً فإنه يمرض البدن وينهكه وربما أدى إلى تلفه كما هو المعروف في أخبار من قتله العشق6. وغير ذلك من المضار والمفاسد الوخيمة للعشق في الدنيا والآخرة.
أيها الأخ الحبيب: إن كنت ممن امتلأت قلوبهم بذكر الله، ولست من العاشقين فإني أبعث إليك، بهمسات تحذير من الوقوع في العشق، فلقد قال أحد العشاق عندما سئل عن الذي استفاده: "العشق أوله لذة وهيامه، وأوسطه سآمة، وآخره ندامة، وبعد هذا كله تقع عليك آثامه".
اللهم أكرمنا ولا تهنا، وزدنا ولا تنقصنا، وأعنا ولا تعن علينا، واهدنا ويسر الهدى إلينا.
اللهم استرنا فوق الأرض، واسترنا تحت الأرض، واسترنا يوم العرض.
ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، إنك نعم المولى ونعم النصير.