هذه الآية الكريمة جاءت قرب نهاية النصف الأول من سورة
الرحمن, التي سميت بتوقيف من الله( تعالى بهذا الاسم الكريم لاستهلالها باسم
الله الرحمن, ولما تضمنته من لمسات رحمته, وعظيم آلائه التي أولها تعليم
القرآن, ثم خلق الإنسان وتعليمه البيان. ./,
وقد استعرضت السورة عددا من آيات الله الكونية المبهرة
للاستدلال علي عظيم آلائه, وعميم فضله علي عباده ومنها: جريان كل من الشمس
والقمر بحساب دقيق( كرمز لدقة حركة كل أجرام السماء بذاتها, وفي مجموعاتها,
وبجزيئاتها, وذراتها, ولبناتها الأولية), وسجود كل مخلوق لله, حتى النجم
والشجر, ورفع السماء بغير عمد مرئية, ووضع ميزان العدل بين الخلائق, ومطالبة
العباد بألا يطغوا في الميزان, وأن يقيموا عدل الله في الأرض, ولا يفسدوا هذا
الميزان, وخلق الأرض وتهيئتها لاستقبال الحياة, وفيها من النباتات وثمارها,
ومحاصيلها ما يشهد علي ذلك, وخلق الإنسان من صلصال كالفخار, وخلق الجان من
مارج من نار, وتكوير الأرض وإدارتها حول محورها, والتعبير عن ذلك بوصف الحق(
تبارك وتعالى) بأنه رب المشرقين ورب المغربين, ومرج كل نوعين من أنواع ماء
البحار دون اختلاط تام بينهما, وإخراج كل من اللؤلؤ والمرجان منهما, وجري
السفن العملاقة في البحر, وهي تمخر عباب الماء وكأنها الجبال الشامخات, وحتمية
الفناء علي كل المخلوقات, مع الوجود المطلق للخالق(سبحانه وتعالى), صاحب
الجلال والإكرام, الحي القيوم, الأزلي بلا بداية, والأبدي بلا نهاية,
والإشارة إلي مركزية الأرض من الكون, وضخامة حجمها التي لا تمثل شيئا في سعة
السماوات وتعاظم أبعادها, وذلك بتحدي كل من الجن والإنس أن ينفذوا من
أقطارهما, وتأكيد أنهم لن يستطيعوا ذلك أبدا, إلا بسلطان من الله, وأن مجرد محاولة
ذلك بغير هذا التفويض الإلهي سوف يعرض المحاول لشواظ من نار ونحاس فلا ينتصر في
محاولته أبدا....!!! ...,